أيهما أفضل العمل في دول الخليج ام الهجرة الى كندا أو أمريكا بحكم كوني عشت في كل من الخليج والغرب لسنوات طويلة، وصار عندي خبرات متعددة الأوجه في كلا العالمين، أعتقد بأني المجرب الذي يمكنك أن تسأله بدلاً عن الحكيم، عملاً بالمثل القائل “اسأل مجرب ولا تسأل حكيم”.
وإليك الجواب:
الموضوع يعتمد على شيئين هما: 1- انتماؤك الثقافي. 2- أولوياتك فيما يتعلق بأسلوب الحياة.
أيهما أفضل العمل في دول الخليج ام الهجرة الى كندا أو أمريكا اختصار الفرق في بعض النقاط:
1- مهنياً
في الخليج يتم استهلاكك مهنياً ولكنك ستكون مرتاحاً مادياً. أي أن الخليج يطلب منك ما عندك ولا يضيف على تقدمك المهني إلا القليل الذي تحصل عليه من الخبرة العملية كطبيب.
في الغرب أبواب التقدم المهني مفتوحة على مصراعيها، وغالباً ستكون مرتاحاً مادياً مثل الخليج، إلا في بعض الحالات والاختصاصات الطبية التي يصبح فيها الخليج أكثر جدوى مادياً. مثلاً: جراحة التجميل.
2- ثقافياً
في الخليج أنت آمن ثقافياً وسلوكياً إذا كنت تنتمي إلى ثقافة الأغلبية العربية و/أو الإسلامية. تستطيع تربية أولادك في المستقبل تربية محافظة وآمنة وهادئة إذا أردت ذلك، ولو أن هذه المسألة بدأت تتغير ظاهراً، وبات الخليج مؤخراً معرضاً لشيء من التغريب الثقافي الذي يتعرض له المرئ في الغرب، إلا أن هذا التعريض مقصود حكومياً لأسباب سياسية، وهو لا يعبر عن ثقافة المجتمع الخليجي الذي يتسم بثقافة الحفاظ والمسالمة. لذلك يبقى الخليج أفضل للثقافة المحافظة من الغرب.
في الغرب أيديولوجيا اليسار تعصف بك وبأبنائك من كل صوب. مسائل مهمة مثل ممارسة الجنس دون زواج والترويج للمثلية الجنسية وثقافة الـ woke التي تعتقد بالعدد اللانهائي للأجناس صارت تُدرس للأطفال في المدارس في معظم الغرب (ليس كله). إذا كنت محافظاً فمكانك المناسب محصور في بعض الولايات الأمريكية التي زالت محافظة.
أما في أوروبا فتقريباً لا مكان لثقافتك في المستقبل. ورغم أن الصعود الأخير للتيارات اليمينية سيخفف من وطأة الإفساد الجنسي، ولكنه لن يخفف من وطأة التمييز ضدك، فاليمين أكثر كرهاً لك من اليسار إذا كنت عربياً أو مسلماً أو كليهما.
3- حقوقك كإنسان
في الخليج انسى! يعني أنت إنسان بقدر ما تنفع في سوق العمل وبقدر ما تستطيع تقديم ما عندك في المشفى أو العيادة. عندما تمرض أو تتوقف عن العمل – لا سمح الله – لن تنظر إليك الدولة حتى لو كنت قد عشت فيها 40 سنة. بل سيتم إرسالك إلى بلدك الأصلي خالي اليدين إلا مما وفرته أثناء حياتك العملية.
أما حق أن يكون لك رأي في الشأن العام فإياك ثم إياك! تذكر بأنك حتى لو كنت طبيباً وعندك “برستيج” فأنت مجرد عنصر في معسكر عمالة. وعليك أن تتصرف كذلك. يستطيع ضابط شرطة أن يحطم نصف حياتك إذا تورطت معه في حادث سيارة. وتستطيع كلمة غضب تخرج من فمك اتجاه شيخ أو أمير أن ترسلك إلى ما وراء الشمس حتى لو كنت حائزاً على جائزة نوبل.
في الغرب حقوقك كإنسان محفوظة، والقانون يطبق على الجميع، والاستثناءات التي يتم فيها تحريف القانون أو عدم تطبيقه لا تحدث إلا نادراً وعلى مستوى عالي من السلطة. وفي الغالبية الساحقة من هذه الأحيان يتم تعويضك عن عدم تطبيق القانون. وفي هذا الغرب إذا مرضت أو ألمت بك مصيبة – لا سمح الله – فإن البلد ستعتني بك، وتعطيك من أموال دافعي الضرائب لأنك كإنسان لديك الحق على المجتمع بأن يساعدك.
هذا عدا عن حقك المحفوظ بالحصول على الجنسية في أي بلد غربي تشاء الهجرة إليه، بالإضافة إلى حقك المحفوظ في الانتخاب، بل وحتى في الوصول إلى السلطة. باختصار: لا مجال للمقارنة بين الغرب والخليج في مسألة حقوق الإنسان.
4- الآمان الوظيفي والصحي والجسدي

في الخليج أمانك من الجريمة أفضل من الغرب لأن القوى الأمنية ذات قبضة حديدية. وأيضاً بسبب عدم وجود ظاهرة الجريمة المنظمة في المجتمعات الخليجية، فهي مجتمعات تتمتع بثقافة مسالمة وهادئة ولا تحب العنف. أي أنك تستطيع الحياة دون أن تلتفت خلفك كما يحدث لك في المدن الكبرى في الغرب. أما من ناحية الأمان الوظيفي فلا شيء متوفر لك. فكما قلت لك في فقرة سابقة، أنت في معسكر عمالة وفقدانك لوظيفتك هو فقدانك لوجودك على الأرض. أما تأمينك الصحي فهو على حسابك بنسبة 100%.
في الغرب رغم أن القوى الأمنية محترفة وتؤدي عملها بشكل قانوني، إلا أن قوى الجريمة محترفة أيضاً، والصراع بين هذه القوى لا يتوقف، وهو صراع يستنزف الكثير من الموارد الإنسانية والمالية. وهذا ما يجعل كفة دول الخليج ترجح في هذا الخصوص.
أما من ناحية الأمان الوظيفي فالمنظمات المهنية تدعمك وتؤمن لك أماناً وظيفياً يحميك من تعسف المشفى أو العيادة إذا كنت موظفاً في أي منهما، بل وتحميك من تسلط صناع القرار وقرارات الحكومة الخاطئة. القضاء صارم والحاكمية هي فقط للقانون. وهذا يمنحك ثقة في تقدمك الوظيفي.
أما من ناحية التأمين الصحي فهو على حسابك طبعاً، ولكن الدولة ستقدمه لك إذا أصبحت عاجزاً في أية مرحلة أن تقدمه لنفسك.
5- على المدى البعيد
في الخليج لن تبقى إلى الأبد، وغالباً ستموت في بلدك الأم، بل وستتقاعد في بلدك الأم. تذكر: في معسكر العمالة أنت لست مواطناً ولا مشروع مواطن حتى لو كنت عالم نووي، وإقامتك بين الخليجيين هي جزء من حياتك وليست كل حياتك. لذلك أنت دائماً بحاجة إلى خطة احتياط تحسباً لتغير مجرى الرياح الاقتصادية أو السياسية أو حتى المزاجية عند أصحاب السمو.
إذا اطلعت عن كثب على حياة العرب المقيمين في الخليج، الغالبية تفكر بالهجرة إلى الغرب فقط للحصول على جنسية غربية تعطي الأمان ثم العودة إلى الخليج لإكمال الحياة. أغلب من ينفذ هذه الفكرة لا يعود إلى الخليج مجدداً. هذا يجعل الخليج يخسر الكثير من الموارد والكوادر.
والخليج ليس لديه أية مشكلة في ذلك بسبب سيادة فلسفة أن الدولة مبنية على شيء واحد: الثروة الطبيعية المخصصة لنخبة عرقية وثقافية هي أساس الدولة. وبما أن توطين المقيم يعني تبديد الثروة وتلويث النخبة العرقية وإضافة شوائب على الثقافة، لذلك فهو تهديد للدولة.
في الغرب يتم تبني هجرتك بالكامل. وبمجرد أن تطأ قدمك أرض المطار فأنت مشروع مواطن، بل وحتى مشروع حاكم ولاية لو أردت. ويتم منحك نفس حقوق المواطن الغربي التي تحتاجها لكي تبقى ولا تفكر بتأسيس خطة احتياط للعودة إلى بلد جنسيتك أو أي مكان آخر في العالم.
والسبب هو أن الحضارة الغربية مؤسسة على فلسفة أن العقل والجسد الإنساني هما رأس مال الدولة. وأية موارد طبيعية أخرى (نفط، غاز، يوارنيوم، ليثيوم) هي مجرد أدوات استغلالها تحصيل حاصل. فإذا فقدت أي بلد القدرة على استغلال كامل قدرات عقل أو جسد المقيم على أراضيها بسبب عدم شعوره بالأمان، فإن هذه البلد تفقد مقومات استمرارها. لذلك فالغرب يدمج القادمين إليه بقوة ويعتمد عليهم في استمراره.
هذه فقط 5 نقاط الهدف منها مساعدتك على اتخاذ القرار.
بالتوفيق.